في سياق تطور مسلسل إصلاح المنظومة التربوية التي حدد أهدافها ونتائجها الميثاق الوطني للتربية والتكوين كشفت عمليات تقويم هذا المشروع الضخم عن مجموعة من النقائص والاختلالات التي طالت أجرأة الميثاق وترجمته على أرض الواقع...مقال بقلم ذ. عبد اللطيف خطابي
في سياق تطور مسلسل إصلاح المنظومة التربوية التي حدد أهدافها ونتائجها الميثاق الوطني للتربية والتكوين كشفت عمليات تقويم هذا المشروع الضخم عن مجموعة من النقائص والاختلالات التي طالت أجرأة الميثاق وترجمته على أرض الواقع و هو ما كشفت عنه بقوة المؤشرات و الأرقام لكل التقارير الدولية (تقرير البنك الدولي,تقرير التربية للجميع 2008) و التقرير الوطني الذي أعده المجلس الأعلى للتعليم حيث سجل بكل جرأة مجموعة من الاختلالات التي بقيت منذ عقود في خانة الطابوهات. من هنا كان لابد على الوزارة الوصية أن تأخذ زمام المبادرة و تعلن عن
إجراءات تكميلية ظهرت تحت عنوان: البرنامج الاستعجالي.
هذا البرنامج الذي تضمن حسب وثائق الوزارة 23 مشروعا يحيط بمختلف جوانب النسق التربوي في شكله العام.و الآن و قد انطلق المشروع مع عملية "مليون محفظة" و ترميم مجموعة من البنيات التحتية ,يحق لنا من زاوية " الملاحظة المواطنة "أن نطرح جملة من التساؤلات, في إطار كل هذه الإجراءات التي تكشف عن توجه جديد يرمى إلى الارتقاء بالمردودية الداخلية إلى درجة مستوى التكلفة المالية المرصودة و المجهود البشري المبذول.
فما هي حدود البرنامج ألاستعجالي و هل ستتمكن جميع مشاريعه من وضع المغرب في مرتبة مقبولة وفق مؤشرات التقييمات الدولية بعيدا عن كل الانطباعات الذاتية, هذا ما ستكشف عنه تقارير السنوات المقبلة لكن قبل ذلك لابد من إبداء مجموعة من الملاحظات :
فإذا كان البرنامج الاستعجالي يقوم على أساس مبادئ التدبير الحديث ويجعل من التغيير أحد ركائزه فقد بات من الضروري الكشف عن جميع الاختلالات التنظيمية والتدبيرية بكل جرأة لتحدد مواطن الداء التي لا زالت قائمة و المتمثلة في :
• ضعف التواصل والتعبئة والإشراك داخل المنظومة.
• مقاومة التغيير
• فاقة الحكامة الجيدة التي طبعت التدبير الإداري و المالي
• عدم تبني التغيير في إستراتجية الإصلاح
• استمرار طغيان الجوانب الكمية على البرامج و عدم إرساء شروط و مقاربة الكفايات بشكل فعال.
• استمرار هيمنة واقع الفقر على العالم القروي
• تعثر إرساء أسس لامركزية تجعل من المؤسسة التعليمية مركزا لاتخاذ القرارات.
هذه الاختلالات التي عطلت كثيرا من المرامي النبيلة للميثاق الوطني, وجعلت كثيرا من الاوراش تنحصر في مظاهرها الشكلية.فما هي إذن شروط نجاح المشروع التربوي ? ما هي الحلقات المفقودة التي بقيت غائبة في دينامية الإصلاح لكي يكتمل ويحقق التعبئة الشاملة لكل مكونات المجتمع بدءا برجال التعليم ونسائه وجمعيات المجتمع المدني والجماعات المحلية؟
يجمع خبراء التربية و من خلال تحليل كل تجارب الإصلاح, أن الحقل التعليمي لا يمكن إصلاحه بمجرد قرار,.فالمجال التربوي مجال تكوين الإنسان, و التربية عملية تبدأ قبل الولادة و تستمر إلى اللحد و هو التوجه الذي تتبناه كل المنظمات الدولية تحت عنوان "التربـية مدى الحياة "لذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نجعل من البرنامج لاستعجالي مفتاحا سحريا نعالج به كل مظاهر الاختلالات التي مست المنظومة التربوية في أبعادها الثلاث: المضامين الدراسية, التدبير, و التقويم. إن كلمة استعجالي تحيلنا على المستعجلات التي لا تنتظر التأجيل في حين أن الفعل التربوي هو فعل بطيء يصاحب الناشئة منذ ولادتها حتى رشدها بل حتى تملكها الكفاءات اللازمة لولوج سوق الشغل الدولية في سياق العولمة القائمة.
لذلك نعتبر أن التقويمات الدولية لابد من أخذها بعين الاعتبار في إصدار الأحكام على تطور المنظومة التربوية و ما سيحققه البرنامج ألاستعجالي من نتائج .
في هذا الإطار نتساءل هل كان التغيير مركز اهتمام كاف عند المدبرين ليتسنى تبديل الهياكل والبنيات واليات الاشتغال التي بقيت في غالبيتها تعمل في إطار تقليدي وسم بكثير من البيروقراطية.
. إن البرنامج الاستعجالي كحلقة مكملة لمضمون الميثاق لا بد أن يراعي في بعده التكويني تحسيس القائمين على
التدبير بأولوية التغيير لان النموذج القائم الذي طال أمده منذ الاستقلال إلى اليوم لم يعد صالحا لعهد يريد عاهل البلاد أن يكون عهد مجتمع جديد بمدرسة جديدة. لذلك أضحى من الضروري أن تراعي برامج التكوين الأساسي والمستمر إعداد جيل جديد من قادة التغيير والريادة التي تنجح في التحسيس والإقناع وتضمن الانخراط لجعل السلوك الإداري و التربوي تصرفا في مستوى الرهانات المطروحة على أجندة الإصلاح ولن يتسنى تحقيق هذا الهدف النبيل دون إرساء مدونة أخلاقيات التدبير الرشيد بعد تشخيص الحكامة و إعداد المؤشرات الخاصة بها و وضع الآليات الجهوية والإقليمية لرصد كل أشكال الاختلالات ومعالجتها في حينها.
إن الوقت لم يعد يسمح بتأجيل الفعل الإصلاحي الذي بدوره لا يمكنه حصره في جوانبه التقنية وحسب, بل إن رؤية متكاملة تجمع بين" تدبير الذات" و"تدبير الأخلاق" و"تدبير التغيير" كركائز أساسية في إعداد جيل المدرسة الجديدة حتى لا تظل حلقات أساسية مفقودة في نسق الإصلاح.
إن مدرسة الجودة التي نبتغيها جميعا تستلزم معركة مستديمة للتغيير ينخرط فيها الجميع وتتاح فيها الكلمة للقائمين على التطبيق وخاصة المدرسين, و هو ما يتطلب مزيدا من التواصل وتجميع الملاحظات وان خلق موقع على الانترنيت لتتبع البرنامج الاستعجالي في مختلف تفاصيله وفتح باب الدعم البناء في وجه مختلف الشركاء لا يمكن أن يجعل من المشروع إلا مشروعا للجميع.
منقول عن: ذ. عبد اللطيف خطابي/الحسيمة
Abdellatif.khattabi@gmail.com